مقدمه
أحياناً أتأمل في تلك التشكيلات الحجرية القديمة المنتشرة في الصحاري والجبال. تبدو وكأنها رسائل غامضة تركها لنا الأجيال السابقة.
لطالما أثارت اهتمامي تلك الدوائر الحجرية المصطفة بعناية. يخيل لي أن كل حجر يحمل قصة مختلفة. هناك شيء عميق في طريقة تنظيمها تلك.
في إحدى رحلاتي البحثية، لاحظت كيف تختلف هذه التشكيلات من منطقة لأخرى. بعضها يأخذ شكلاً دائرياً متكاملاً، بينما نجد أخرى مربعة الشكل. يبدو أن لكل تصميم دلالته الخاصة.
ما يدهشني حقاً هو ذلك الإرث الحضاري المنسي. أتساءل عن الأيادي التي رصت هذه الحجارة قبل آلاف السنين. كانت لديهم معرفة جغرافية مذهلة باختيارهم لتلك المواقع النائية.
ثمة فرق شاسع بين هذه المنشآت البشرية وبين الصخور المتناثرة طبيعياً. الأمر يتطلب عيناً خبيرة لتمييز ذلك. أحياناً أقع في حيرة بين ما هو طبيعي وما هو من صنع البشر.
هذه الرموز الحجرية تشكل نافذة مثيرة نحو ماضٍ غامض. كل زيارة ميدانية تقدم لي رؤى جديدة. المسألة ليست مجرد أحجار مرصوصة، بل هي شاهد على حضارات اندثرت.
ما هي الحوطات التكنيزية الحجرية؟
أحياناً أتأمل في عبقرية الأسلاف الذين تركوا لنا هذه الشواهد الحجرية. يبدو الأمر كما لو أنهم أرادوا توصيل رسالة عبر الزمن، رسالة قد لا ندرك معانيها كاملة اليوم.
ربتخيل معي لحظة، كيف كانوا يختارون كل حجر بعناية فائقة. ألا يثير فضولك التساؤل عن الدوافع الحقيقية وراء بنائها؟ ثمة غموض يلف هذه الإنشاءات، ربما لأن كل حجر يحمل قصة مختلفة.
لطالما شغلتني فكرة أن تكون هذه الركامات الحجرية بمثابة خريطة وجودية. في الواقع، لا يمكننا الجزم بالهدف الوحيد من إنشائها، فكل موقع يبدو فريداً بطريقة ما.
أجد نفسي أتساءل، هل كانت هذه المعالم تمثل نوعاً من التواصل مع الأجيال القادمة؟ الأمر يذكرني بأسئلة فلسفية عميقة حول علاقة الإنسان بالمكان والزمان.
ثمة جمال خاص في بساطة هذه الإنشاءات، رغم ما تحمله من دلالات معقدة. أحياناً أعتقد أننا فقدنا القدرة على فهم لغة الحجارة هذه.
 |
الحوطات بالحضارات |
أشكال الحوطات التكنيزية الحجرية
1. الحوطات الدائرية
هي الأكثر شيوعًا، وتكون على شكل دائرة كاملة أو شبه مكتملة من الحجارة. وغالبًا ما تدل على مدفن أو قبر، وأحيانًا تشير إلى وجود دفين تحت مركز الدائرة مباشرة.
2. الحوطات المربعة والمستطيلة
عبارة عن جدار منخفض أو أحجار مصطفة لتشكيل مربّع أو مستطيل. هذه الحوطات ترتبط عادة بـ الدفائن الكبيرة أو المقابر العائلية، وقد تكون بمثابة غرفة مغلقة دُفن فيها مقتنى مهم.
3. الحوطات الركامية (التلال الحجرية)
وهي أكوام من الصخور تُكوَّم بشكل هرمي أو دائري. وغالبًا تخفي تحتها ممرًا أو سردابًا يوصل إلى مكان الدفين.
4. الحوطات المتقاطعة أو المزدوجة
تتكون من أكثر من شكل هندسي (مثلاً دائرة داخلها مربع، أو دائرتان متقاطعتان). هذه عادةً تكون إشارة إلى دفين ثمين جدًا أو مكان مقدس ذو قيمة روحية.
كيفية التمييز بين الحوطات الحقيقية والطبيعية
أحيانًا يصعب التمييز بين تلك البنى الحجرية التي صنعتها أيادي البشر وبين ما شكّلته الطبيعة بمرور الزمن. الأمر يحتاج إلى نظرة فاحصة.
1. الدقة في الترتيب
لاحظ كيف تبدو الأحجار متراصة بتأنٍ واضح، وكأن يدًا ماهرة رتبتها بحذر. هذا ليس كتلك الصخور المتناثرة عشوائيًا في البرية.
2. الانسجام في الشكل
ثم انظر إلى الشكل العام، تجد دائرة أو مربعًا منتظمًا لا يمكن أن يكون محض صدفة جيولوجية. هناك قصدية في البناء تشي بفعل إنساني.
3. الموقع الاستراتيجي
كثيرًا ما توجد هذه التشكيلات في مواقع مرتفعة تطل على مساحات واسعة، أو ربما قرب طرق القوافل القديمة. يبدو أن موقعها لم يخترع عبثًا.
4. ارتباطها بالآثار الأخرى
قد ترافقها إشارات أخرى مثل جرون أو نقوش أو صخور مميزة.
5. مركز الحوطة
غالبًا يكون هو الأهم، حيث يُتوقع وجود المدفن أو الدفين تحته مباشرة.
الحوطة الصغيرة
أحياناً أتأمل في تلك الحوطة الصغيرة المنعزلة بين التلال، فهي تحمل بين أحجارها قصة إنسان واحد رحل عن عالمنا. ربما كان شخصاً عادياً دُفن في بقعة هادئة بعيداً عن الضجيج.
الحوطة الكبيرة
أما حين تمر بي حوطة كبيرة المساحة، أتساءل كم روحاً ترقد تحت تلك البقعة. هل كانوا عائلة واحدة؟ أم مجموعة من المسافرين؟ يظل السؤال معلقاً في الهواء.
الحوطات ذات الممرات
لطالما أثار اهتمامي تلك الحوطات التي تحوي ممرات بداخلها. كأنما من شيدها أراد أن يخلد ذكرى من رحلوا بطريقة خاصة. ربما كانوا شخصيات مهمة في عصرهم.
الحوطات المتعددة في مكان واحد
عندما أرى عدة حوطات مجتمعة في مكان واحد، ينتابني شعور غريب. كأنني أمام مدينة صامتة، كل حجر فيها يروي حكاية من ماضٍ بعيد. أحياناً أتخيل الحياة التي كانت تعج في هذا المكان قبل أن يتحول إلى مقبرة.
علاقة الحوطات بالحضارات القديمة
لطالما أثارتني تلك الرموز الحجرية المنتشرة في صحارينا. الأنباط مثلاً، تركوا وراءهم تلك التشكيلات الصخرية الغامضة التي تعلو مدافنهم. أتساءل أحياناً عن الدلالات العميقة التي كانت تختبئ وراء تلك البنى.
الرومان والبيزنطيون أيضاً، كم كانت رؤيتهم مختلفة. حوّطاتهم لم تكن مجرد أحجار مبعثرة، بل كانت إشارات مدروسة تعلن عن كنوز مخبأة أو مواقع عسكرية استراتيجية. يبدو أن كل حضارة نسجت حكايتها الخاصة عبر هذه الرموز الصامتة.
وفي تراثنا العربي، كانت تلك التشكيلات الحجرية تمثل هوية قبلية قبل كل شيء. كم من كنز ثمين اختبأ تحت ظلال تلك الحجارة المتراصة. الصحراء تحتفظ بأسرار لا تُحصى، وأنا أعتقد أننا لم نكشف بعد سوى النذر اليسير منها.
أشهر أماكن انتشار الحوطات الحجرية
أحياناً أتأمل في انتشار الحوطات عبر تلك الصحارى المترامية. تبدو الجزيرة العربية بتضاريسها الرملية الشاسعة مكاناً مثالياً لهذه الظواهر. في الأردن وسوريا والعراق، نلاحظ كيف تتناغم هذه الحوطات مع البيئة القاسية.
من الغريب كيف تتحول المناطق الجبلية الوعرة إلى مخابئ طبيعية. ربما كان القدماء يدركون هذا جيداً حين يختارون أماكن اختباء كنوزهم. هناك شيء مثير في فكرة أن هذه التضاريس الصعبة تحمل أسراراً بين طياتها.
طرق القوافل القديمة تمثل فصلاً آخر مثيراً للاهتمام. أتخيل قوافل البخور والتوابل وهي تعبر تلك المسارات. يبدو أن حركة التجارة والنشاط البشري تركا بصماتهما في تشكل هذه الحوطات.